مقالة فلسفية :هل الإبداع يرجع إلى الصفات النفسية ام أنه نتاج للمحيط الإجتماعي ؟
يتميز الإنسان بكونه كائن مدني إجتماعي بطبيعته وهدا مايعني أنه يستمد حيويته ونشأته في مختلف المجلات من المجتمع الدي ينتمي إليه و الإبداع يقوم كلما تخيل صور و أفكار تؤدي إلى إنشاء مركبات جديدة مستمدة من مواد قديمة وفيه تتجلى براعة الإنسان وقدرته على الخلق و الإبداع كاءنشاء صور جمالية في الفن و الادب و الموسقى والعلم و الرياضيات و الإختراع فاءدا كان نشطا فكريا خصتا بالإنسان يتجاوز به الماضي و الحاظر إلى المستقبل م إدا كانت الاعمال المبدعة في مختلف المجلات لاتبرز إلا في إطار إجتماعي ولهدا نتساؤل :هل الإبداع يرجع إلى الصفات النفسية ام أنه نتاج للمحيط الإجتماعي ؟
يرى انصار الموقف 1 أن الإبداع ظاهرة خاصة بالفرد المبدع دالك أن هده الاخيرة توجد لدى بعض الافراد دون غيرهم من بين أنصارهم برغسون،فرويد،بوان كاري ولقد اعتمدوا على مجموعة من الحجج و البراهين أهمها: أن الاحوال النفسية و العقلية من ميول ورغبات ودكاء وتخيل هي التي تدفعبالفرد إلى الإبداع بديل أن العباقرة يمتازون بخصائص نفسية وعقلية تمكنهم من تجاوز مايعجز الاخرون وبالتالي فالإبداع ليس ظاهرة عامة منتشرة في المجتمع و إنما هو ظاهرة فردية خاصة.
إن الإبداع يرجع إلى الحالة النفسية التي يعيشها المخترع وشعوره بالرغبة الملحة في التحرر من الماضي وسجنه الروتني لان ولع العالم وحبه للمعرفة كما يرى كلورد برناد يمدا نه بانفعلات خلاقة تجعله يندفع إلى البحث بشغف كبير يقول برغسون:"إن العظماء يتخيلون الفرض و الأبطال و القدسين الدي يبدعون المفاهيم الاخلاقية لايبدعونها في حالة جمود الدم وغنما في جو حماسي وتيار ديناميكي تتلاطم فيه الافكار"
إن الإبداع يتوقف على قوة الملاحظة وخصوبة التخيل وقوة الداكرة مثال:فالسام يلاحظ مالا يلاحظه الإنسان العادي إضافة إلى الإرادة التي تساعد على غنجاح الإبداع لان في الإبداع جانب غنفعالي يتمثل في جملة الرغبات و العواطف التي تدفع إلى التفكير في المبدع ويميل إليه ولهدا فاالجوانب السكولوجية تفسر الكثير من الإبدعات تعبر عن الشخصية في المقام الاول
كما أكد"ريو"أن التخيل المبدع يتضمن عناصر وجدانية تصاحب المبدع في أعماله فتكون على شكل فرح وحماس أحيانا وقلق وحزن أحيانن أخرى لان الإنسان لايثور على العدات القديمة ولايتحرر من الصور و المركبات البالية إلا إدا تألم منها ورغب في الإبتعاد عنها ولقد لخص"ريو"علاقة الحياة الإنفعالية بالإختراع و الإبداع في القانون الاتي:
1- إن جميع صور إختراع مصحوبة بعناصر إنفعالية تؤثر في الإختراع
2-إن جميع الإستعدادت ال،فعالية تؤثر في الإختراع يمكننا توضيح قانون "ريو"كما يلي:نجد فيه العناصر الغنفعالية كالشعور بالحاجة إلى الإبداع في نظام الحياة العقلية كالحاجة غلى الولادة في نظام الحياة العضوية وتظهر هده الحاجة اولا في العاب الاطفال ثم في الأسطير ثم تضهر اخيرا في صور الفن(النحت) وهي كلها تدل على ميل الإنسان إلى إبداع عالم الحقيقية بعالم الخيال لانه يلهو به ويصوغ رأه (تصوراته) ويتمتع فيه بأحلامه وكأنه غريزة أولية
اما القانون الثاني فقد بين "ريو"فيه ان الإنفعال لاينظم الإختراع ليزينه بل يلاومه ليحركه ويبعث على توليده فالأحوال الإنفعالية توقظ الخيال لدا قد ولد الخوف كثيرا من الخرفات وولد الغضب أثار الحسد وطرق الإنتقام لهدا لانبالغ إدا قلنا مع "رينو""إن العامل" الإنفعالي هوا الخميرة التي لايمكن الإبداع ان يتم دونها"
نجد الفيلسوف الفرنسي "برغسون" يربط أيظا عملية الإبداع بالحالة الإنفعالية فالفرد لايغير من الواقع ولا يتجاوز المشاكل الطارئة التي تصادفه إلا في جو يسود التوتر و الغنفعال له دور إجابي فهو يقوم بتنشيط مختلف القدرات العقلية التي تمكن الفرد من خلق وتوليد افكار أساسية و الموضوع الدي هو بصدد بحث يقول برغسون "إن المخترع يتصور قبل كل نهاية شئ دو معنى مجرد وبسيط أو خيال عاما مجمل يقبله شيئا فشيئا إلى شكل حسي وصورة مشخصة فهو يدرك النهاية قبل البداية" ويقول أيضا:"إن المخترع الدي يبغى إنشاء ألة جديدة يتصور العمل الدي يريد تحقيق وصورة هدا العمل المجردة تحضر إلي فكرة بالتدرج وقوة التكرار و التجربة صورة مشخصة للحركات الجزئية التي تتحقق الحركة الكلية وهكدا وفي تلك اللحضة الدقيقة يتجسد الإبداع مثال: الكاتب الدي يصنف العضمة ومؤلف الروايات الدي يبدع أشخاص ومواقف و الموسيقار الدي يؤلف لحنا و الشاعر الدي ينظم قصيدة كلهم يتصورون في أول الأمر مثل عام بسيط ومجرد فا الشاعر في جو يسوده للصراع الفكري أو التوتر النفسي نتيجة غحتلال او ما إلى دالك.كما هو الحال بالنسبة للمتنبي قديما من خلال مناظرته لشعراء عصره او مفدي زكريا الملقب بشاعر الثورةلدالك فالإبداع بدون تخيل أو قدرات عقلية وحتى نفسية يعتبر بمثابة حتمية لابد من توفرها و الفرد خاضع إليها خضوعا كليا إن الإبداع ميزة لاتتوفر عند جميع الناس دللك ان هدا الأخير لايكون بالصدفة لان المبدع إدا لم يكن مستعدا ولا توجد لديه رغبة في دلك فلم يستطع القيام بدلك لان هده العوامل تزيد من إرادة المبدع وتكون حافزا مساعدا للبحث عن الحقيقة و الوصول لنتائج شاملة للتجربة او الدراسة التي يقوم بها وهنا نجد هنري بوان كاري يقول : "إن الحظ يحالف النفس المهيئة" وعلما هدا لابد من الإستعداد الجيد عند القيام بأي عمل مثل: فا التلميد إدا لم يكن مستعد لإجتياز الإمتحان نتيجة عدم رغبته في الدراسة وبالتالي عدم مراجعت الدروس فائنه قد بجد صعوبة في إجتياز الإمتحان.
إضافة إلى دلك نجد ان عملية البحث قد تستغرق من المبدع مدة طويلة قد تدوم لسنوات لدا على المخترع ان يتجلى بالصبر و إنتظار ساعة الجسم وهدا مايؤكد عله نيوتن من خلال قوله:"إنني لأضع بحثي نصب عيني دائما و انتضر حتى يلمع الإشراف الأول علي شيئا فشيئا ليقلب إلى نور جلي"لأب نيوتن إستغرق سنوات عديدة حتى توصل إلى إكتشاف قانون الجادبية وماكان هو على دلك إلا لانه امن بفكرة معينة وتحلى بالصبر.
اما فرويد فقد حلل ظاهرة الإبداع بردها إليها الاعمال الاشعورية دلك اب العمل المبدع في نظره تعبر عن الرغبات المكبوتة التي تتحقق عن طريق الخيال الدي يعتبر شكلا من اشكال الغرضاء البدلي التي تتحقق عن الرغبات المكبوتة التي تتحقق عن طريق الخيال الدي يعتبر شكلا من أشكال الإرضاء البديلي التي تتحقق عن طريق الإلهام دفعة واحدة.
ولهدا قالدوافع الداتية (النفسية) تعتبر شروط الإبداع.
النقد:
لكن الواقع يؤكد و العلم كدلك ان الفرد المعزول عن مجتمعه لايمكن ان يكون فردا سويا ولاان يبدع شيئا فالشروط النفسية وحدها غير كافية فعند الدول النتقدمة الشروط النفسية تؤدي إلى نشر فكرة العضوية التي ترى ان وجود الإختراع دليل على تميزهم فقسموا العالم إلى قسمين عالم منحصر يحمل الشروط النفسية لبناء الحضارة وعالم متوحش تنعدم فيه هده الشروط و الواقع يكدب هدا فكم من مثقف من الدول المتخلفة هاجر إلى الدول المتقدمة فاخترع وتفوق في أعماله الإبداعية ألم يهاجر بحث عن الشروط الإجتماعية الملائمة لإبداع و الإختراع.
الموقف02:
وعلى النقيض من دلك يدهب الكثير من الفلاسفة وعلماء الإجتماع وعلى رأسهم الفيلسوف وعالم الإجتماع الفرنسي دوركايم(1858-1917) أن الإبداع سواء كان في المجال الفني او العلمي ام الفلسفي ام التقني يرجع للظروف الإجتماعية التي يعشها المبدع وقدا عتمدوا على حجج وبراهين اهمها:
إن الفاعلية الإبداعية في دلك لاتندى(تظهر) إلا في إطار إجتماعي وليس غريبا في دلك مدام الفرد في نظر هده المدرسة عجينة في المجتمع الدي يوفر له هده المدرسة الإنطلاقية في عمله الإبداعي حيث يقول "بيكار"في أطروحته بحث في الشروط الالإجابية للإختراع لايمكن ان يحدث الإختراع إلا إدا سمحت به حالة العلم "ويقول أيظا" الإختراع ينشاء وينمو بصفة جبرية تقريبا إدا كانت حالة العلم تسمح بدلك"وقد جعل بيكار"من هدين الشرطين قانونين الإبداع و الإختراع لأن الإنسان عنده لإيبداع من عدم و إنما يبدع إنطلاقا من البينات المعطاة عند المنطلق من البداية و التي تمثل الإطار الثقافي و التربة الخصبة التي تنبت فيها الافكار الجديدة.
تاريخ العلوم و التقنيات يبين لنا كيف ان بعض الإخترعات و إن مهياة لدلك مند مدة طويلة حيث إننا نلاحظ تشابها بين الإخترعات التي تعود إلى نفس العصر بالرغم من التباعد المكاني للمخترعها ليبليز .مثلا أبدع حساب الا متناهيات في نفس الوقت الدي أبدعها نيوتن بالرغم من ان نيوتن كان في إنجلترا ويبرز في ألمنيا وكم يطلع احدهما على بحوث الاخر،إضافة إلى الهندسة الإقلدية التي وضعها ريمان، لويا تشيفسنكي،لم يبدع هؤلاء نفس المعارف لأن إلاهما نزل عليهم و غنما أبدعوا دلك لان حالة المجتمع بلغت درجة معينة من التساؤل و التغير يقول لوروا:"ليس هناك أجيال تلقائيون وليس هناك عبقري بدون سبب او تعلم او مدرسة خاصة".
كما ان إخترعات التكنولوجيا و الإكتشافات العلمية ليست إنتاج مخترع واحد مهما كانت عبقريته و إنما هوا إنتاج مستمر للعديد من العلماء إشتغلو في فترات متعاقبة من الزمن و امكنة مختلفة حيث أصبح البحث العلمي عملا جماعيا يتعاون فيه علماء كثرون من بلدان مختلفة لأن المبدع فرض إجتماعي يتأثر بحجات مجتمعه ومشكلة فينكب عليها محاولات إجاد الحلول المناسبة فكل إبداع يشهد على روح العصر وحاجاته فالأفكار و الخصبة عند"باستير"في غالب الأ حيان هي بدات الحاجة"
فالوسط الإجتماعي له تأ ثير كبير في صور و أسليب الإبداع و أشكاله أين أن كل إختراع لايتمإلا إدا سمح الفكر الإجتماعي به فاليبان بما توفر من وسائل وتقنيات تفرض على الإنسان اليباني ان يبدع في جميع الميادين و الإرتقاء بمستواه الفكري و المادي،لأن الواقع الأجتماعي بما فيه من علماء و ادباء وفلاسفة ومدارس وجمعات إنما يفرض بواسطة هؤلاء نمط فكري على الأفراد الدين يعملون تحت تأثيره فمثلا:العالم الفزيائي ماكسوال لم يكن بإمكانه ان يكتشف الامواج الكهرو مغناطسية و سرعة أنشائها في القرن العاشر لان هدا الإكتشاف يقوم على ابحاث ووسائل ومناهج ونظريات لم تكن موجودة في القرن العاشر.
فالمبدع يتأثر بالمستوى المعشي داخل أسرته ومجتمعه من الفقر وحرمان أو عزة و غنى ،فالفقير لايبدع مثل الغني بسواء من الناحية الإجتماعية او الأسرية وهدا ما يحث عليه الواقع عن ضرورة توفير الجو المناسب للمبدع وخاصة مايتعلق بالوسائل و المعدات لكي يستطيع ان يجرب ويواصل بحثه فمثلا"في الو.م.أ تجند لفئة المبدعون الملاير من الدولارات على شكل مخابر و اجهزة وقروض ليطوروا إبدعاتهم ويخرجو نها إلى ارض الواقع لينتفع منها مجتمعه اما المبدعون في العالم الفقير المتخلف فسيجدون أفكارهم مجرد نظريات يكتبونها و لأنهم لم يجدو الإهتمام و لم تجد أعمالهم الإقبال و التشجيع فالمبدعون داخل الشعوب تجهل بأن الدهب أغلى معدن و احسن رأس مال ولهدا يمكن الخروج المعادلة التالية :إدا كان الإهتمام من طرف المجتمع وكانت الوسائل متوفرة كان الجو مناسب للعمل الإبداعي.
إدا كان هناك التهميش وغياب الوسائل غاب الإبداع حتى و غن كان هناك مبدعون ولهدا لا يمكن فصل رقي العمل الإبداعي عن الرقي الغجتماعي و العكس صحيح ولهدا يقول"ريو"مهما كان الغبداع فردي فإنه يحتوي على نصيب إجتماعي.
النقد:
القول بان الوسط الإجتماعي هو الشرط الكافي للإبداع هو نفي للإبداع داته لان إخضاع المبدع للظروف الإجتماعية يؤدي إلى الخمول و الجمود ثم ايظا ما تراه العكس حيث تكون في كثير من الأحيان الظروف القاسية هي الحافز إلى درجة أننا نعتقد انها المناخ المناسب و الحيد للإبداع لانه كما يقال: الأكواخ "صنعت رجال العلم و اهل الحكمة و المبدعون و القصور بنيت ما صنعه اهل الأكواخ"لانهم سيستهلكون بأموالهم مايصنعونه فقرائهم....".
وأيضا قد يقف المجتمع ضد الكثير من المبدعون فيشتموهم بالإنزلاقا ويرموهنهم بالإنحراف كما حدث لغاليلي عندما قال ان الأرض تدور فأعدمته الكنيسة وكوبرنيك عندما خالف نظام بطليموس وفي هدا الصدد يقول"روني بواريل"الجماعة غالب ماتعارض شجاعة المخترع.
التركيب:
إن الإبداع يقتضي بيئة إجتماعية خصبة توفر الإمكانيات الازمة و الوسائل الضرورية وهدا لا يعني ان الإبداع لايرجع غلى العوامل الإجتماعية وحدها لاننا لاتنسى عمل الوراثة فبعض الأفراد يولدون وهم يحملون خصائص وقدرات عقلية ومواهب فدة كما ان الإلهام وحده يصبح مجرد تصور و افكار خاوية دون إمكانيات ووسائل لان الموهبة في غياب محيط يحفظها وينميها تنتدر وتنطفئ شغلها و الإمكانيات في غياب روح تعيها وشكلها تبقى مجرد أدوات تفتقد لكل فعالية او تاثير لان الشروط الاجتماعية مركبة تجلس فوقها الشروط النفسية لتسافر بعيدا في عالم الابداع .
الراي الشخصي : الا ان اصبح الاراء ان عملية الابداع ترجع الى عوامل و شروط نفسية لان الابداع يتجلى احيانا في شكل حدسي مثلما هو الشان عند ابن سينا الدي يروي انه كثيرا ما كان يجد حلولا لمشكلاته التي استعصت عليه في النوم كما يدكر العالم الرياضي بوان كارياها ان حلبة مشكلاته الرياضية التي برزت فجاة و بعيدا عن ميدان عمله كما ان ظاهرة الابداع كانت نتيجة لسلسلة اعمال لا شعورية التي تعتزل في العقل الباطن ثم تنبثق دفعة واحدة و هنا يقول "كيوبي " و لهدا كان من الطبيعي ان نفترض ان اللاشعور هو منبع دوافع الابداع و مصدر الالمام العظيم في الحياة البشرية في الاخير نستنتج ان الابداع يرجع الى العوامل النفسية و العوامل الاجتماعية فالطرف 1 يكمل 2 لان كل ابداع و اكتشاف هو نتاج عوامل انفاعالية و حدانية و مواهب خلاقة و عوامل موضوعية يؤسسها المجتمع بما يوفره من امكانيات مادية فلا فائدة للعوامل الاجتماعية بغياب الدات المبدعة التي تحمل استعدادات فطرية تجعلها قادرة على صنع المستحيل لان الابداع سحر يقدمه الفكر البشري الدي يطمح الى تقديم الابداعات و تجديد الصنائع و تطوير الاشياء و ابتكار البدائل .
الاستاد / مشري.
ليست هناك تعليقات